الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
إذن: معنى كلمة كنز هو نقد من الذهب والفضة مجتمعًا، ويقال عنه بالعامية عندنا في مصر: نقود تحت البلاطة، ولكن إذا أدَّى صاحب هذا النقد حقَّ الله تعالى فيما ادَّخره، لا يُعتبر كَنْزًا؛ لأن الشرط في الكَنْزِ أن يكون مَخفيًّا، والزكاة التي تُخرَج من المال المدَّخر توضح للمجتمع أن صاحب المال لا يُخفى ما عنده.ولذلك لا يُسمَّى الكَنْزُ إلاَّ للشيء المجتمع وممنوع منه حق الله تعالى، فإنْ أدَّى حقُّ الله سبحانه فقد رُفعَتْ عنه الكَنزية؛ لأن الحق سبحانه وتعالى يقول: {والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34].ومن هذا القول الكريم نفهم أن مَنْ يملك مالًا ويؤدِّي حقَّ الله فيه، لا يُعتبر كَنْزًا، وحين تُنقِص الزكاةُ المالَ في ظاهر الأمر، فهي تدفع الإنسان إلى أن يُحْسِن استثمار هذا المال؛ حتى لا يفقده على مدار أربعين عامًا، بحكم أن زكاة المال هي اثنان ونصف في المائة؛ ولذلك يحاول صاحب المال أن يُثمِّره، وهو بذلك يُهيِّئ فرصة لغير واجدٍ وقادرٍ لأن يعمل، وبذلك تقلُّ البطالة.وقد تكون أنت صاحب المال؛ لكنك لا تفهم أسرار التجارة والصناعة، فتشارك مَنْ يفهم في التجارة أو الصناعة، وبذلك تفتح أبواب فرص عمل لمن لا عمل له وقادر على إدارة العمل.هذه هي إرادة الحق سبحانه وتعالى في أن يجعل من تكامل المواهب نماءً وزيادة، تكامل مواهب الوَجْد النقود ومواهب الجَهْد، وبين الوجد والجهد تنشأ الحركة، ويتفق صاحب المال مع صاحب الجهد على نسب الربح حسب العرض والطلب؛ لأن كل تبادل إنما يخضع لهذا الأمر العرض والطلب لأن مثل هذا التعاون بين الواجد والقادر ينتج سلعة، والسلعة لا هَوًى لها، ولكن من يملك السلعة ومن يشتري السلعة لهما هوى، فمالكُ السلعة يرغب في البيع بأعلى سعر، ومن يرغب في شراء السلعة يريدها بأقل سعر، لكن السلعة نفسها لا هوى لها.وما دام العرض والطلب هو الذي يتحكَّم في السلع، فهذا توازن في ميزان الاقتصاد.وعلى سبيل المثال: إن عُرضت اللحوم بسعر مرتفع، فكبرياء الذات في النفس البشرية تدفع غير القادر لأن يقول: إن تناول اللحم يرهقني صحيًّا. ويتجه إلى الأطعمة الأخرى التي يقدر على ثمنها؛ لأن السلعة هي التي تتحكم، أما إذا تدخل أحدٌ في تسعير السلع، بأن اكتنز المال، ولم يخرجه للسوق لاستثماره، حينئذ تختفي قدرة الحركة لصاحب المال، ولا يجد صاحب الموهبة مجالًا لإتقان صنعته.وقول الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} [هود: 12].فكلمة لولا كما نعلم للتمني، وهم تمنوا الكنز أولًا، ثم طلبوا مجيء مَلَك، وكيف ينزل المَلَك؟ أينزل على خِلقته أم على خِلْقته بأن يتجسد على هيئة رجل؟والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا} [الأنعام: 9].وإن نزل المَلَك على هيئة رجل فكيف يتعرَّفون إلى أصله كمَلَك؟ وهذا غباء في الطلب.وأيضًا قال الحق سبحانه وتعالى: {وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَاءَهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قالوا أَبَعَثَ الله بَشَرًا رَّسُولًا قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولًا} [الإسراء: 9495].ولو أنزله الحق سبحانه مَلَكًا فسوف يكون من نفس طبيعتهم البشرية، وسوف يلتقي بهم ويتكلم معهم، ولن يستطيعوا تمييزه عن بقية الناس وسوف يُكذِّبونه أيضًا.وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق سبحانه رَدًّا له عن هذا الطلب: {إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ} [هود: 12].وهذا الكلام موجَّه من الله سبحانه للرسول صلى الله عليه وسلم ليُلقِّنه الحجة التي يرد بها عليهم، وقد قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه إنه نذير وبشير، وقد طلب غيركم الآيات، وحين جاءت الآيات التي طلبوها لم يؤمنوا، بل ظلُّوا على تكذيبهم؛ فنكَّل الحق سبحانه بهم.إذن: فالعناد بالكفر لا ينقلب إلى إيمان بمجرد نزول الآيات، والحق سبحانه هو القائل: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون} [الإسراء: 59].أي: أن الآيات التي طلبها الكافرون لم يأت بها الله سبحانه؛ لأن الأولين قد كذَّبوا بها؛ ولذلك يبلغ الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم هنا بقوله: {إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ} [هود: 12].وهو صلى الله عليه وسلم قد نزل عليه القرآن بالنذارة والبشارة.ويُنهي الحق سبحانه وتعالى الآية بقوله: {والله على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [هود: 12].وأنت حين توكِّل إنسانًا في البيع والشراء والهِبَة والنَّقل، وله حرية التصرف في كل ما خصك، وترقب سلوكه وتصرُّفه، فإنْ أعجبك ظللتَ على تمسكك بتوكيله عنك، وإن لم يعجبك تصرُّفه فأنت تُلْغي الوكالة، هذا في المجال البشري، أما وكالة الله سبحانه وتعالى على الخَلْق فهي باقية أبدًا، وإن أبى الكافرون منهم. اهـ.
وقيل: إنما عَدَل عن ضيِّق إلى ضائق ليناسب وزن تارك.والهاءُ في {به} تعود على {بعض}. وقيل: على {ما}. وقيل: على التكذيب. و{صدرُك} فاعل ب {ضائق}. ويجوز أن يكون {ضائقٌ} خبرًا مقدمًا، و{صدرك} مبتدأٌ مؤخرٌ، والجملة خبرٌ عن الكاف في {لعلك}، فيكون قد أخبر بخبرين، أحدهما مفرد، والثاني جملة عُطِفت على مفرد، إذ هي بمعناه، فهو نظير: إنَّ زيدًا قائم وأبوه منطلق، أي: إن زيدًا أبوه منطلق.قوله: {أَن يَقُولُواْ} في محلِّ نصبٍ أو جرٍّ على الخلاف المشهور في {أنْ} بعد حَذْف حرف الجر أو المضاف، تقديره: كراهة أو مخافةَ أَنْ يقولوا، أو لئلا يقولوا، أو بأن يقولوا. وقال أبو البقاء: لأن يقولوا، أي: لأَنْ قالوا، فهو بمعنى الماضي وهذا لا حاجة إليه، وكيف يدعى ذلك فيه ومعه ما هو نصٍّ في الاستقبال وهو الناصب؟ و{لولا} تحضيضيةٌ، وجملةُ التحضيضِ منصوبةٌ بالقول. اهـ.
ويروى لعلَّ أَبا المغوار ورُوى: يا من يجيب إِلى النِّدا.ويتصل بلعَلَّ ما الحرفيّة فيكفها عن العمل؛ وجوَّز قوم إِعمالها حينئذ حملًا على ليت لاشتراكهما في أَنهما يُغيّران معنى الابتداء.وفى لَعلَّ لغات كثيرة: عَلَّ، علِّ، لعلَّ، لعلِّ، لعَلَّتَ، لعًا، رعَنَّ، رغَنَّ، رعَلَّ، لعَنَّ، لغَنَّ، لأَنَّ عَنَّ، أَنَّ، لَوَنَّ.وعن ابن السكيت: لعَلِّى، ولعلَّنى، ولعَلِّنى وعَلِّى، عَلَّنِى ولأَنِّى، ولأَنَّنِى ولَوَنِّى ورَعَنِّى ورَغَنِّى ولَغَنِّى ولعَنَّنِى.ولها معان:أَحدها: التوقُّع وهى ترجِّى المحبوب، والإِشفاق من المكروه؛ نحو: لعلَّ الحبيب مواصل، ولعل الرقيب حاصل.ويختص بالممكن.وأَمَّا قول فرعون: {أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} فإِنما قاله جاهلًا أَو مَخْرَقة وإِفْكًا.والثانى: التعليل.أَثبته جماعة، وحملوا عليه قوله تعالى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، ومن لم يثبته يحمله على الرجاء ويصرفه إِلى المخاطبين، أي اذهبا على رجائكما.الثالث: الاستفهام أَثبته الكوفيُّون، ولهذا عُلِّق بها الفعل في نحو: {لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} ونحو: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}.ويقترن خبرها بأَنْ كثيرا حملًا على عسى؛ كقوله: وبحرف التنفيس قليلا كقوله: ولا يمتنع كون خبرها فعلًا ماضيًا، نحو قوله صلَّى الله عليه وسلم: «وما يدريك لعلّ الله اطَّلع على أَهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».وقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} أي يظنُّ بك الناس [ذلك]. وقوله: {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} أي اذكروا الله راجين الفلاح. وقوله تعالى فيما ذكر عن قوم فرعون: {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ} فذلك طمع منهم في فرعون. اهـ.
|